الأنانية في الأطفال هي سلوك يظهر غالبًا في المراحل المبكرة من نمو الطفل. يشعر الطفل في هذه المرحلة بالعالم من حوله باعتباره ملكًا له، ويرى نفسه محور هذا العالم. رغم أن الأنانية هي سمة طبيعية في مراحل النمو المبكر، إلا أن دور الوالدين والمربين في تقويم هذا السلوك يعد أمرًا بالغ الأهمية في بناء شخصية الطفل. في هذا المقال، سوف نتناول الإرشادات التي تساهم في تحفيز السلوك الاجتماعي الإيجابي لدى الأطفال، وكيفية تقليص مظاهر الأنانية لتكوين طفل قادر على العيش بشكل تعاوني مع الآخرين.
1. فهم الأنانية في مراحل النمو
من الطبيعي أن يظهر الطفل سلوكًا أنانيًا في سن مبكرة، وهذا يكون نتيجة لعدم نضوج القدرة على التفكير المتبادل. الأطفال في مرحلة ما قبل المدرسة لا يفهمون مفهوم “الآخرين” بشكل كامل، ولا يعرفون أن رغباتهم قد تؤثر على الأشخاص من حولهم. حيث يبدأ الأطفال في اكتساب مهارات التعاطف والمشاركة تدريجيًا مع مرور الوقت.
في السنوات الأولى من الحياة، يبدأ الطفل في تجربة مشاعر ممتزجة من حب الذات والتوجه نحو العالم الخارجي. ومع تطور قدراته العقلية والاجتماعية، يظهر تدريجيًا فهم أعمق لاحتياجات الآخرين. ولذا، من الضروري أن يولي الوالدان اهتمامًا خاصًا لهذا السلوك بهدف توجيهه إلى سلوك اجتماعي إيجابي.
2. تعليم الأطفال مفهوم المشاركة
أحد الأسس الرئيسية في التخلص من الأنانية هو تعليم الطفل مفهوم المشاركة. حيث أن المشاركة لا تقتصر فقط على الأشياء المادية، بل تشمل مشاعر الوقت والانتباه أيضًا. من المهم أن يعايش الطفل مواقف تجعله يتعلم أن العالم لا يدور حوله فقط، وأنه ينبغي عليه التشارك في الألعاب والموارد مع الآخرين.
يمكن تحقيق ذلك من خلال تقديم فرص للطفل لمشاركة الألعاب مع الآخرين. في البداية، قد يواجه الطفل صعوبة في تقبل الفكرة، ولكنه بالتدريج سيتعلم أن المشاركة تمنحه فرصًا للتمتع بالأنشطة مع الأصدقاء أو أفراد الأسرة. يجب على الوالدين أن يكونوا قدوة في هذا الصدد، من خلال تبني مواقف تعكس التعاون والمشاركة في حياتهم اليومية.
3. تعزيز مفهوم التعاون
الأنانية غالبًا ما تأتي نتيجة لعدم القدرة على التعاون مع الآخرين. لذلك، من المهم أن يتعلم الطفل أن التعاون هو الطريقة التي يمكن بها تحقيق النجاح المشترك. ينطوي التعاون على العمل مع الآخرين نحو هدف مشترك، وهو ما يساعد على تعزيز فكرة أن العمل الجماعي يمكن أن يعود على الجميع بالفائدة.
لتعليم الطفل التعاون، يمكن للوالدين استخدام الأنشطة الجماعية مثل الألعاب التي تتطلب التعاون بين الأفراد. على سبيل المثال، يمكن ترتيب ألعاب جماعية تكون فيها الأدوار موزعة بين الأطفال، مما يعزز القدرة على العمل المشترك. من خلال هذه الأنشطة، سيتعلم الطفل أن تفضيل مصلحة الجماعة على مصلحته الشخصية هو الطريق لتحقيق نتائج أفضل للجميع.
4. تعليم الطفل التعاطف
التعاطف هو القدرة على فهم مشاعر الآخرين والإحساس بها. يعتبر التعاطف أحد السلوكيات المهمة التي تساعد الطفل على التخلص من الأنانية، حيث يمكن للطفل عندما يتعلم التعاطف أن يفهم أن مشاعر الآخرين لها قيمة وتستحق الاهتمام. وبالتالي، فإن هذا يساهم في تقليل التصرفات الأنانية التي تركز فقط على رغباته الخاصة.
هناك عدة طرق لتعليم التعاطف للأطفال. يمكن للوالدين مثلاً التحدث عن مشاعر الآخرين في المواقف اليومية، مثل القول: “انظر، صديقتك حزينة لأنها لم تتمكن من الحصول على دورها في اللعبة، كيف يمكننا مساعدتها؟” يمكن أيضًا تشجيع الطفل على التفكير في مشاعر الآخرين أثناء اللعب أو التفاعل مع الأصدقاء. هذا سيساعده على التمييز بين مشاعر السعادة والحزن وأهمية مراعاة مشاعر الآخرين.
5. وضع حدود واضحة وتوقعات سلوكية
واحدة من الطرق الفعالة للتقليل من الأنانية هي وضع حدود واضحة للسلوكيات المقبولة. يجب على الوالدين تحديد التوقعات من الطفل فيما يتعلق بكيفية التصرف مع الآخرين. وهذا يشمل وضع قواعد حول كيفية التفاعل مع الألعاب والموارد المشتركة، مثل قول: “من غير اللائق أن تأخذ اللعبة من صديقك دون إذنه”.
من خلال وضع هذه الحدود، يتعلم الطفل أنه ليس دائمًا هو من يقرر من يمتلك الشيء أو الوقت، ويجب عليه أن يحترم الآخرين. هذا يعزز الشعور بالمسؤولية والتعاون بين الأطفال.
6. التقدير الإيجابي للسلوكيات الجيدة
من أهم الوسائل للتشجيع على السلوك الاجتماعي الإيجابي هو تقديم التقدير للسلوكيات الجيدة التي يظهرها الطفل. عندما يظهر الطفل سلوكًا غير أناني، مثل مشاركة لعبة أو الاهتمام بمشاعر الآخرين، يجب أن يُثنى عليه بشكل إيجابي. قد يكون التقدير لفظيًا مثل قول: “أنت فعلت شيئًا رائعًا عندما ساعدت صديقك في ترتيب الألعاب!” هذا النوع من التقدير يعزز من رغبة الطفل في تكرار هذا السلوك.
المكافآت الصغيرة مثل الدُمى أو النشاطات المحببة قد تكون أيضًا وسيلة فعالة لتشجيع الأطفال على تبني سلوكيات غير أنانية. يجب أن يتم التقدير بشكل مستمر ولكن دون مبالغة، لتجنب إنشاء توقعات غير واقعية من الطفل.
7. إشراك الأطفال في الأنشطة الاجتماعية
التعرض للمواقف الاجتماعية والتفاعل مع أقرانهم يعد من الوسائل الفعالة لتعلم السلوكيات التعاونية. في هذه الأنشطة، يواجه الطفل العديد من الفرص للتفاعل مع آخرين، مما يعزز من مهاراته الاجتماعية. سواء كان ذلك في الحضانة أو الأنشطة المدرسية أو اللقاءات الاجتماعية مع الأصدقاء والعائلة، يساعد التواصل المستمر مع الأقران في تعلم المهارات الاجتماعية الأساسية مثل التعاون والمشاركة.
8. تعليم الطفل عن مفاهيم المسؤولية والمشاركة المجتمعية
من خلال تعليم الأطفال قيمة المسؤولية تجاه أفراد المجتمع، يمكن لهم تعلم كيف يمكن للعمل الجماعي أن يعود بالفائدة على الجميع. سواء كان ذلك من خلال المشاركة في العمل التطوعي أو في الأنشطة المدرسية، يمكن للأطفال التعرف على أهمية التعاون مع الآخرين من أجل تحسين بيئتهم المشتركة.
9. الصبر في معالجة الأنانية
أخيرًا، من الضروري أن يكون الوالدان صبورين في معالجة الأنانية لدى الطفل. عملية تعلم مشاركة الاهتمام بالعالم الخارجي وفهم مشاعر الآخرين تستغرق وقتًا طويلاً. على الرغم من أن التغيير قد يبدو بطيئًا في البداية، إلا أن الاستمرار في تقديم النماذج الإيجابية وتعزيز السلوكيات الجيدة سيؤدي في النهاية إلى نتائج إيجابية.
10. القدوة الصالحة
لا شك أن الأطفال يتأثرون كثيرًا بما يرونه من حولهم، وخصوصًا من والديهم. لذا يجب على الوالدين أن يكونوا قدوة في كيفية التعامل مع الآخرين بعطف واحترام. إذا رأى الطفل والديه يظهران سلوكيات غير أنانية مثل المشاركة والتعاون مع الآخرين، فإنه من المحتمل أن يتبع هذه النماذج في سلوكه الشخصي.
الخاتمة
تعد الأنانية في الأطفال سلوكًا طبيعيًا في مراحل النمو المبكرة، لكنها تتطلب توجيهًا وتربية صحيحة من أجل تقليصها وتعليم الطفل كيفية التعامل مع الآخرين بشكل إيجابي. من خلال تعليم التعاون، المشاركة، التعاطف، وإشراك الأطفال في مواقف اجتماعية، يمكن للوالدين والمربين خلق بيئة تنمّي القيم الاجتماعية وتقلل من مظاهر الأنانية لدى الأطفال.
